الذكاء الاجتماعي وليس التزلف يرسم مسافة بين الآخرين ويحفظ الاحترام المتبادل
كثيرون هم من لا يشبهون أنفسهم، فيمكن أن يصاب المقربون منهم بالدهشة لدى رؤيتهم خارج بيوتهم، إذ تتحول شخصياتهم ويتبدل مزاجهم تماما سلبا أو إيجابا.
وتتعدد مبررات الأشخاص الذين يضعون أقنعة على وجوههم لدى خروجهم للمجتمع، بين من يسعى إلى إخفاء ضعفه بادعاء القوة ومن يحاول أن يخفي رغبته في الأذى متصنعا الطيبة. وفي كلتا الحالتين يبقى أمر وضع الأقنعة محل دراسة وبحث علماء النفس.داليا حمادة وتعمل فاحصة بصر تقول إنها تعرف كثيرا من الأشخاص الذين يضعون أقنعة على وجوههم تكون عكس شخصياتهم الحقيقية، إذ عانت لفترة من إحدى زميلاتها التي تحاول ادعاء قوة الشكيمة التي تصل حد التجريح والأذى مع أنها تعاني من الاضطهاد في منزلها من قبل والدها.
وتبرر حمادة الأمر بأن زميلتها هذه لا ترغب في أن يستضعفها زملاؤها في محيط عملها، لذلك ترتدي قناع القوة، مبينة أنها تخفي في أعماقها خوفا دفينا على حد وصفها.
أما رأفت ويعمل مبرمج كمبيوتر، فيرى أن أي شخص في لحظة من اللحظات يضطر لوضع قناع للتعامل مع المجتمع، الذي يفرض أحيانا هذا الأمر "الطيبة وحسن الخلق لا ينفع مع كثيرين".
وينتقد رأفت الأشخاص الذين يضعون أقنعة زائفة تخفي وراءها الرغبة في الأذى مدعين الطيبة "يضحكون في الوجه ويضمرون العداء والنية المبيتة في الإيذاء بسبب الغيرة والحسد".
ويبقى أمر وضع الأقنعة مسألة إنسانية تعود لطبيعة كل شخص، مع التأكيد على أن هناك من
يبقون على طبيعتهم، بصرف النظر عن محيطهم وطبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه حتى وإن واجهوا الأذى.
التربوية نهى شهاب تؤكد أن طريقة التنشئة في البيت هي التي تحدد طبيعة الشخصية إن كانت بسيطة أو متكلفة ومصنعة، الأمر الذي يؤدي الى اقتناع الشخص لاحقا بضرورة وضع قناع لدى خروجه للمجتمع.
وتحذر شهاب من مغبة تربية الأطفال بطريقة يتم إقناعهم بها أن وضع الأقنعة أمر ضروري لمجابهة المجتمع، مفترضة أن الأصل يكون بالتربية على العفوية وافتراض حسن الظن بالمحيطين.
وتستطرد أنه من الذكاء كذلك من قبل الأهل أن يحصنوا أطفالهم بمهارات الاتصال المناسبة للتعامل مع أحداث الحياة المختلفة، من دون أن يضطروا للتلون والاختفاء خلف الأقنعة.
ويسمي بعض الأشخاص مسألة وضع الأقنعة بالذكاء الاجتماعي اللازم لمواجهة المجتمع المتكلف، والذي يهتم بمظهر الشخص وتصرفاته مع عدم الاكتراث بجوهر هذا الشخص وحقيقية أخلاقه. وفي هذا يقول الأخصائي النفسي باسل الحمد إنه يميل لتحليل الأمر بحسن التعامل مع الأدوار الاجتماعية، وهذا هو الشكل الإيجابي والسليم في التعايش مع المجتمع وليس ارتداء الأقنعة المزيفة.
ويتحول الأمر من الإيجابي للسلبي حسب الحمد في حال دخل الزيف والنفاق والكذب والمبالغة "هنا نكون أمام حالة تدل على خلل نفسي لا بد من الاعتراف به وعلاجه".
ويوضح الحمد ذلك بمثال على الأشخاص الذين يحاولون التزلف وادعاء الاحترام الزائد لمدرائهم، أو الذين يحاولون إخفاء عقد نقص معينة من خلال إيذاء الآخرين والتعامل معهم بفوقية وتعالٍ "ربما كان يشعر هؤلاء بأن الأقنعة هي آلية دفاع نفسية مناسبة وهذا اعتقاد خاطئ". وعن الأشخاص الذين يتساءلون حول الطريقة المثلى في التعامل مع المحيط من زملاء وأصداقاء وأقارب، يقول الحمد إن الذكاء الاجتماعي هو المطلوب وليس ارتداء الأقنعة التي ترهق واضعها مع الوقت. والذكاء الاجتماعي بحسب الحمد يتمثل بتربية الأبناء على أن تكون معاييرهم ذاتية وليست اجتماعية، وهذا يتطلب تمرينا على الصدق للأطفال من الصغر، لافتا الى الأعباء النفسية الخطيرة التي تقع على عاتق واضعها لفترة طويلة "هؤلاء الأشخاص يقومون بسلوكيات يفرضها المجتمع مع عدم اقتناعهم بها وهذا ما يؤدي الى الإرهاق النفسي". ويقتضي أمر التعامل مع المجتمع مهارة معينة للخروج من مطب ارتداء الأقنعة المزيفة، حتى لا يكون صادقا وعفويا مع أشخاص لا يستحقون أو يكون خاضعا لأطماع تحركه، وتفرض عليه وضع الأقنعة للوصول لها متجاوزا المبادئ الإنسانية والأخلاقية.
وفي هذا المقام تقول خبيرة مهارات الاتصال زين غنما إن الأصل في التعامل مع المحيطين هو الصراحة والعفوية، مبينة أن وضع الأقنعة أمر يدل على أن الشخص الذي يفعل ذلك يضع حواجز بينه وبين هذا المحيط، وهذا الأمر لن يخدمه طويلا في مسألة بناء علاقات اجتماعية ناجحة وصادقة.
وتؤكد غنما على ضرورة تمتع الشخص بنسبة من الذكاء الاجتماعي، التي تمنحه الثقة بالنفس ومعرفة كيفية رسم مسافة بين الآخرين لحفظ الاحترام المتبادل "يجب أن تكون هناك حدود لا يتم اختراقها كما يجب أن يكون هناك فهم للآخر وطبيعته ويتصرف الشخص على هذا الأساس". وتضيف أنه "لا يجب الانسياق لما يتوقعه الآخر مني وأصبح بلا تعبير واضح عن قناعاتي وشخصيتي".
hg`;hx hgh[jlhud ,gds hgj.gt dvsl lshtm fdk hgNovdk ,dpt/ hghpjvhl hgljfh]g