أيها المسلم الكريم، رفع اليدين في الصلاة ليست من أركان الصلاة، وإنما هي سنة من سننها، وتركها لا يؤثر على صحتها، فلو أن المصلي لم يرفع يديه في صلاته كلها، فلا يؤثر ذلك على صحة صلاته، ولكن ضاع عليه أجرها؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((وَصَلُّـوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي))[1].
قال ابن قدامة من فقهاء الحنابلة (رحمه الله): "لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ ... وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي رَفْعِهِمَا إلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ أَوْ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَبْلُغَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، وَإِنَّمَا خُيِّرَ لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)[2].
فيُسن للمصلي أن يرفع يديه في الصلاة على صفتين: الأولى: حذو المنكبين، أي يرفعهما إلى كتفيه، والثانية: إلى فروع الأذنين.
واختلف أهل العلم (رحمهم الله) في مواضع رفع اليدين في الصلاة:
1- ذهب الحنفية والمالكية إلى عدم مشروعية رفع اليدين إلا عند تكبيرة الإحرام، فلا يشرع رفعهما عند الركوع أو الرفع منه، أو القيام للثالثة[3].
2- ذهب الشافعية والحنابلة على مشروعية رفـع اليدين: (عند تكبيرة الإحرام)، و(عند الركوع)، و(عند الرفع من الركوع).[4]
قال الْحَسَنُ (رحمه الله): إنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ، وقال البخاري (رحمه الله): رواه سبعة عشر من الصحابة (y)، ولم يثبت عن أحد منهم عدم الرفع.
وقال السيوطي (رحمه الله): الرفع ثابت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) من رواية خمسين صحابيًّا[5].
أما (رفع اليدين عند القيام من التشهد للركعة الثالثة)، فقال به الشافعية، ورواية عند أحمد ... والرواية الثانية عن أحمد هي عدم الرفع.. قال في الإنصاف: وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم[6].
فعن ابن عمر (رضى الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم): ((كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ))[7].
ومعنى قوله: (إذا قام من الركعتين رفع يديه)؛ أي: إذا قام من التشهد الأول للركعة الثالثة.
قال ابن حجر (رحمه الله): "لَمْ يَرِدْ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّفْرِقَةِ فِي الرَّفْعِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ يَرْفَعُ الرَّجُلُ إِلَى الْأُذُنَيْنِ وَالْمَرْأَةُ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا"[8].
والخلاصة: يسن رفع اليدين في الصلاة في أربعة مواطن: الأول: عند تكبيرة الإحرام، والثاني: عند الركوع، والثالث: عند الرفع من الركوع، والرابع: عند القيام من الركعة الثانية بعد التحيات إلى الركعة الثالثة.
نسأل الله تعالى لنا ولكم الحفظ، والسلامة، والعافية من كل داء، وحسن الختام، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] صحيح البخاري، كتاب الأذان- باب الأَذَانِ لِلْمُسَافِرِ إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَالإِقَامَةِ: (1/ 162)، برقم (631).
[2] المغني لابن قدامة: (2/ 136-137).
[3] ينظر: رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين: (1/ 506)، وحاشية الدسوقي: (1/ 247).
[4] ينظر: المجموع شرح المهذب للنووي: (3/ 307)، والمغني لابن قدامة: (2/ 173).
[5] المغني لابن قدامة: (2/ 173)، والموسوعة الفقهية الكويتية: (27/95-96).
[6] ينظر: المجموع شرح المهذب للنووي: (3/ 307)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي: (2/ 88).
[7] صحيح البخاري، كتاب الأذن - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ: (1/ 188)، برقم (739).
[8] فتح الباري لابن حجر: (2 /221).
l,hqu vtXuE hgdQ]QdkA td hgwghm