عرض مشاركة واحدة
قديم 24-05-2019   #2



 
 عضويتي » 615
 جيت فيذا » Apr 2019
 آخر حضور » 27-08-2021 (05:57 PM)
آبدآعاتي » 4,286
 حاليآ في » 7up
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »
 التقييم » جلال الحبيب is on a distinguished road
 

جلال الحبيب غير متواجد حالياً

افتراضي





المُهمّةُ الخَطرة

في صباحِ اليومِ التالي شَعَروا بالجُوعِ
قالَ أحدُهُم ـ وأخرَجَ نُقوداً ذهبية:
ـ لِيَذهَبْ أحَدُنا بهذِه النقودِ ويَشتَري لنا
طَعاماً طَيّباً.. ولْيَكُن على حَذَرٍ تامّ
حتى لا يَكتَشِفَ أحدٌ هويَّتَه
إنّنا إذا وَقَعنا في قَبضَتِهم فسيكونُ مَصيرُنا الموت.
قالَ آخَر:
ـ حَقّاً.. لقد وَضَعوا حُكمَ الرَّجمِ بالحِجارةِ
لِمنَ يُدانُ برفضِ الآلهة!
وقالَ آخَر:
ـ وقد يَجبُرونَنا على السجودِ للآلهة..
وقالَ آخَر:
ـ يا لَهُ مِن مصيرٍ بائسٍ إذَنْ.

في السُّوق
تَبَرّعَ أحدُ الفتيةِ بالانطلاقِ الى المدينةِ
وشراءِ الطعامِ من السوق
غادَرَ الكهفَ، وانحَدَر من الجبلِ
وكان يفكّر كيفَ يَدخُلُ المدينةَ وكيفَ
سيُجيبُ اذا سألَهُ أحَدٌ
وماذا يقولُ للحُرّاسِ والجنودِ الرومان ؟!
لم يَلتَفِت الى التَّغيّراتِ التي أحدَثَتها
الأمطارُ والسُّيولُ والرياحُ مدّةَ ثلاثةِ قُرون

كانَ خائفاً قَلِقاً، لأنّهُ لم يَذهَبْ في رِحلةِ
للصيدِ أو النُّزهَة عندما فَرَّمع رِفاقهِ
الى الكهف.
وها هو الآنَ يَعودُ لشراءِ الطعام. ما يَزالُ يَشعرُ بالخَوف.
إنّه يَتصَوّرُ أنّ الأمورَ كما هي عليهِ بالأمس..
وَصَل الى المدينةِ، وبدأ يَتَطلّعُ الى أسوارِها ومَبانيها
كان يَمشي حائراً يَتَعجّبُ. تَصَوّرَ أنه وصلَ الى مدينةٍ أُخرى!
لَم يَعتَرِضْهُ أحدٌ عندَما دَخلَ المدينة
ولم يَجِدْ أثراً لِتمَاثيلِ الآلهةِ، رأى نفسَهُ غَريباً في المدينة!
الناسُ يَنظرونَ اليه ويَتعجَّبونَ:
إنّه يَرتَدي زِيّاً قَديماً لا يَرتَديهِ اليومَ أحَد!
الناسُ هنا يَرتَدونَ أزياءً جديدةً
ولم يُشاهِدْ جُنوداً يَقمَعونَ الناسَ
أو يُحاسِبونَهُم على عَقيدتِهم!
الناسُ هنا يَعيشونَ بسلامٍ، يَعملونَ ويَزرَعونَ
ولا يَبدو علَيهِمُ الخَوفُ أو القَلَق.
و مضى الفتى الى السُّوقِ..
سألَ أحدَهُم عنه فدلَّهُ عليه. و تَعَجّبَ الفتى من طريقةِ الكلامِ!
تغَيَّرت لَهجةُ الناسِ كثيراً.. إنّهم يتَحَدّثونَ بلهجةٍ جديدة !!
أمرٌ عَجيب !!
تساءل الفتى في نفسِه:
ـ هل أخطأتُ الطريقَ ووَصَلتُ الى مدينةٍ أُخرى ؟!



الحقيقةُ الكبرى
انتَبَه الى نفسِه، وفكّرَ بأداءِ مهمّتِه
وهي شراءُ الطعامِ والعوَدةُ الى المخبأ في الجبل.
لهذا تظاهَرَ بأنّهُ يَتَصرّفُ بطريقةٍ عاديّة
وكأنه أحدُ سُكّانِ المدينة..
الناسُ حَسِبوهُ رَجُلاً غريباً جاء من قريةٍ
بعيدةٍ وسطَ الجبال.
بحثَ الفتى عن رجُلٍ طيّبٍ كان يَبيعُ الطعامَ
لكنّهُ لَم يَجِدْهُ ووَجَد باعةً كثيرينَ تَلوحُ على وُجوههِم الطِّيبة.
اختارَ الفتى بعضَ الأطعمةِ المَعروضةِ
ونَقدَ البائعَ الثَّمنَ
وهنا حَدَث ما كانَ مُتَوقَّعاً!
عندما تَسلَّمَ البائعُ النقودَ، تأمّلَ فيها مَدهوشاً!
إنها نقودٌ تعودُ الى زمنِ الأمبراطورِ تراجان
وقد مضى على سَكِّها ثلاثةُ قُرون!
نَظرَ البائعُ الى الفتى بدَهشةٍ
وفَكّرَ أنه يكونُ عَثَرَ على كنزٍ
لهذا قالَ له:
ـ هل عَثَرتَ على كنز ؟!
ـ ماذا تَعني ؟!
ـ أعني هذه النقودَ الذهبية، إنّها تَعودُ
الى ما قبلَ عَشَراتِ السنين.
ـ إنّها نُقودي، وجِئتُ أشتَري طَعاماً لي.
قالَ البائعُ وهو يُرِيهِ العملةَ المُتَداوَلة:
ـ انظُرْ! إنّنا نَتَعامَلُ بهذِه النقود!
نَظرَ الفتى الى العُملة المَسكوكِة
إنّه لَم يَرَها مِن قبلُ. قالَ في نفسِه:
ـ يا إلهي ماذا حَصَل ؟!
قالَ البائعُ:
ـ إذا أشرَكتَني بالكنزِ فلن أُخبِرَ أحداً.
ـ أيّ كنز ؟! إنني لا أملِكُ سوى هذه القطعة النقدية !
ـ إذِنْ سأُخبِرُ الشّرطة!
وارتَفع صوتُ البائع وهو يَتعلّقُ بثيابِ الفتى.
وتَحَلّقَ الناسُ حولَهما
قالَ الفتى وهو يَتَلفَّت:
ـ أرجوكَ.. اترُكْني.. سوف يَقتُلوني اذا أمسَكوا بي
إن جُنودَ « تراجان » لا يَرحمون أحداً.
ـ تراجان ؟!
قالَ الناسُ مُتعجِّبينَ. ضَحِكَ رجلٌ وقالَ:
ـ لقد ماتَ تراجان قبلَ مئاتِ السنين.. هل أنتَ مَجنونٌ يا فَتى ؟!
سألَ الفتى:
ـ ومَن يَحكُمُ الآن ؟
تيوديوس.. إنه أمبراطورٌ طَيِّبٌ
وقد اعتَنقَ دِينَ المسيحِ قبلَ عامَينِ
أو ثلاثة.
تساءلَ الفتى:
ـ تَعني أنّهم لَم يَعودوا يَقتلُونَ العِيسَويِّين ؟!
ـ ماذا تَقول ؟! لقد آمنَ الناسُ بدينِ الله
لقد مضى زمنُ الظلمِ والعذاب.
قالَ شيخٌ وهو يَفرُكُ جَبينَهُ:
ـ يا إلهي! عندما كنتُ طفلاً
كانت جَدَّتي تُحَدِّثني عن فِتيةٍ خافوا
على دِينهِم من الأمبراطور
فهَربوا ولم يَعثُرْ عليهم أحد ؟!
أُصيب الفتى بما يُشبهُ الدَّوار..
وكادَ يَسقُطُ على الأرضِ من هَولِ ما يَسمَع..
هَل يُعقَلُ أنّهم ناموا كلَّ هذه السنين
وهل يُمكنُ أن يَنامَ الانسانُ
ثلاثةَ قُرون ؟!
إنّه لا يَذكُر شيئاً.. تصَوّرَ أنّه نامَ أمسِ واستَيقظ اليومَ.
راحَ الفتى يَفرُكَ عَينيَهِ.. تَصوّرَ نفسَهُ في حُلُم..
ولكنْ لا.. لا، إنّ ما يَراهُ حقيقةٌ..
ولكنّها حقيقةٌ كبرى!



النهاية
وَصَلَت الأنباءُ المُثيرةُ الى حاكمِ المدينةِ
كانَ رجُلاً مؤمناً، فأمرَ بإحضارِه
واكتشَفَ الحاكمُ أنّه أمامَ حقيقةٍ كبرى
وأنّ اللهَ سبحانة أرادَ أن يُريَهُم آيةً
تَدُلُّ على قُدرتِه في بَعثِ الموَتى
وحَقّانيةِ البعَثِ والمَعادِ يومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالَمين.
طَلَب الحاكمُ من الفتى أن يُرشِدَهُم
الى الكهِف، وهكذا سارَ الفتى وخَلفَهُ
الحاكمُ المؤمنُ وجنودُه.
كانَ الفِتية في الكهفِ خائفين
ويعَيشونَ حالةً من القَلق، لقد تأخَّرَ أخوهُم..
قالَ أحدُهم:
ـ رُبَّما أُلِقيَ القَبضُ عليه!
وقالَ آخَر:
ـ ربّما تأخَّر في دُخولِ المدينة.. أنتُم تَعرِفونَ شدّةَ الحُرّاس.
وفي تلك اللحظاتِ المُثيرة؛ غادَرَ أحدُهُم الكهفَ
وراحَ يَتسلّقُ الجبلَ الى القِمّة؛ ومِن هُناك راحَ يُراقِبُ الطريقَ المُؤدّيةَ الى المدينةِ
فرأى بِعينَيهِ ما كانَ يَخشاه!
هاهُم الجنودُ الرُّمان قادِمونَ مِن بَعيد..
أسرَعَ في العَودةِ لإخبارِ رفاقه
قالَ لهم:
ـ لقد رأيتُ جُنوداً قادِمينَ نَحوَنا؛ لقد أُلقيَ القَبضُ علَيه ودَلَّهُم علَينا!
قال آخَر:
ـ لا أظُنُّ ذلك؛ لِنَنتَظِر.. رُبّما يَقصدُ الجنودُ مكاناً آخَر.
مَرَّت اللحظاتُ مُثيرةً سريعة.
وفجأة دَخَل صاحبُهم الفتى الكهفَ
..وأخبَرَهُم بالحقيقةِ الكبرى..
إنّهم لم ينامُوا يوماً أو بعضَ يوم
لقد امتَدّ نَومُهم الى ثلاثةِ قُرون
وإنّ الله قد جَعَلَهُم آيةً على قُدرتِه
وأنّه يُحيي المَوتى، ويُعيدُ الأرواحَ الى
أجسادِها مَرّةً أخرى !!
في ذلكَ الزمانِ.. كانَ هناكَ مَن يقول:
إنّ الروحَ عندما تَخرُجُ مِن الجَسَدِ لا تَعودُ اليه
ولكنّها تَحِلُّ في جسدٍ آخَر.
أمّا المؤمنونَ فكانوا يَعتَقِدونَ بأنّ اللهَ قادرٌ على كلِّ شيء
وهو الذي خَلقَ الإنسانَ
وهو الذي يَتَوفّى رُوحَهُ ثُم يُعيدُها اليه يومَ القيامة.
كانَ الفتى قد طَلَب من الحاكمِ أن يَذهَبَ بمفردِه
لأنّ أصحابه يَخافون من الظلمِ
وهم لا يَعرِفونَ ما حَصَل لهم.
عندما اكتَشَفَ الفِتيةُ هذه الحقيقةَ
بَكَوا خشيةً لله وشَوقاً إليه
وتَضَرّعوا إليه أن يَقبِضَ أرواحَهُم
ذلك أنَهم يَنتَمونَ الى زمنٍ مَضى.. إلى ما قبلَ ثلاثةِ قرون.
واستَجابَ اللهُ دُعاءهم، فألقى علَيهِمُ
النُّعاسَ، وحَلَّقَت أرواحُهم بعيداً الى
عالَمِ مُفعَمٍ بالخَيرِ والسلام.
كانَ الحاكمُ ينَتظرُ، ولكنْ دُونَ جَدوى
لهذا قرّرَ الذَّهابَ بنفسِه الى الكهفِ. وعندما دَخَل، وَمعَه رجالُه رأى مَنظراً عجيباً!!
كانوا سبعةَ فِتيانٍ ومَعهم كلبُهم
وقد ماتوا منذُ لحظاتٍ.. ما تَزال أجسادُهم دافئة.
وسَجَدَ الحاكمُ للهِ سبحانه
وسَجَد معه المؤمنون..
في ذلك الزمانِ كانَ الناسُ يَتَجادلونَ حولَ الروحِ
بعضهُم يَقولُ إنها تَعودُ الى الجسِد
مرّةً أخرى يومَ القيامة
وبعضُهم يقولُ إنها تَحلُّ في جسدٍ آخر.
ولكنْ عندما رأوا بأعيُنِهم أصحابَ الكهفِ
وكيف عادَت لهم الروحُ أيقَنوا بقدرةِ الله.
أمّا المشركون فكانوا في شكّ
لهذا قالوا:
ـ أُبْنُوا علَيهم بُنياناً.. ربُّهم أعلَمُ بِهم!
ولكنّ المؤمنين قالوا:
ـ لَنتَّخِذَنّ علَيهم مَسجِداً..
ونَتبرَّك بهذا المكانِ الذي أظهَرَ اللهُ
فيه قُدرتَه.
وانتَصَر المؤمنونَ، وبَنَوا في ذلكَ المكانِ مَسجداً يُعبَدُ فيه اللهُ وحدَه.

وازدادوا تِسعاً
واليومَ عندما يَزورُ المرءُ عَمّان عاصمةَ الأُردن
يُمكِنُه التوجَّه الى الجَنوبِ الشرق مِنها
وعلى مسافةِ ثمانيةِ كيلومترات
بين قَريتَي « الرَّقيم » و « أبو عَلَنْدا »
حيث يُوجَدُ كهفُ أصحابِ الكهف.. سيرى عدّةَ قبورٍ على هيئةِ النَّواويس البِيزنطيّةِ
والتي تَبلُغُ سبعةَ نواويسَ إضافةً
الى ناووسٍ صغيرٍ لعلّه
مَدفَنُ كلبِ أصحابِ الكهف










رد مع اقتباس